تقاعد المحارب ابو سلطان من الخدمة على الوجه الجميل ، وكان اعظم ظفر وارفق قَدَر ...

تقاعد المحارب ابو سلطان من الخدمة على الوجه الجميل ، وكان اعظم ظفر وارفق قَدَر ، فلم يكن باسرع من عوده والرجوع الى موطن عزيز ؛ منه درج ، وفي حب خدمته تخرج .. هذا الوطن والموطن اول ارض مس ثراه جلده، وعلقت فيه تمائمه ، والامل بالله ان يحقق الرجاء ، ويكمل الآمال بمنّه .
يشد الركاب ، كل فجر ، مطيته نعلاه والثوب جلده ، يسير عبر ربوع الجبلين .. يحدوه الامل الحلو المعسول ، ويستخفه الجوى والحنين والذكريات ؛ ان سيلقى مفاتن الطبيعة ، والاطلاع على الجديد ، والتاريخ ، وملاعب حداثته وموطن لداته واقرانه واطرابه ، ومحراب كتبه وبحوثه وقديم كراريس اشواقه .
في الفلق ، قبيل الشروق ، وقبل عير وما جرى ، وشر ما خلق الله من حاسد او نافث عُقد ، اعتاد صاحبنا رحلة الجمعة وقت الفجر .. ماراثون بالسياكل ، او بدون ، وامس الجمعة ٣ نوفمبر ٢٠٢٣ م الوجهة جبل السمراء وتحديدا الى قمة مصاقبة له الى جهة المشرق هي موقدة حاتم الطائي ، التاريخية القديمة ، رقصت اشجارُ الحقول على غناء الاطيار ، وملأ لها ساقي الغمام كؤوس جلناره .. وجماعة الرحلة اربعة شخوص كل منهم كشّاف ، يتناشدون من نفيس الحديث ، ورقيق الشعر ، يتعاطون من كؤوس رحيق اخبار سيول منطقة حائل البارحة ، والامس ، والامس قبله ، غير آبهين مستقبل ما في غد
الكل منهم كشاف ، يتعجب من سماء ذلك المطر ، وجديد عملية الاستمطار .. كيف خلت سفوح السمراء من نجوم تلك الازهار مع بزوغ شمس النهار وانواره ،
اشرقت الشمس على قمة " الموقدة " ، فزالت وحشة الظلام بالنور والانس ، قمة راقت محاسنها ورقّ اديمها ، فتكاد تبصر باطنا من ظاهر تاريخها القديم ، يوم كانت لنار حاتم مجلبة الضيوف والقادمين من بعيد :
اوقد فان الليل ليل قُرٌّ
والريح يا موقد. ريح صر
عسى يرى نارك من يمر.
ان جلبت ضيفا فانت حُرٌ
تزهى بحجارتها السوداء التي اقيمت على هيئة حصن ذي اربعة جدران من الحجارة .. مرقبة عالية ، وحامية في القديم للدفاع عن المدينة من ان يؤخذ الناس غِرّة .. فكانت فيها المدافع قبل قرن من الزمان .. قمة تزهى للزائر برونقها وحسن جمال اطلالاتها على جميع الجهات ، يقرأ المشاهد ان حلت جوانبها موقد نار حاتم للقرى ، ومن ثم تلك المدافع والرجال والحماية ، اطلالة عالية جميلة ، لست انسى حسنها ، نسج الربيع نباتها من سندس موشى ببدائع الالوان ، النسيم بها عليل هائم بربوعها ، خلال الحوذان واليهق ذي النوار الازرق بالسفوح ، وكافور النخل والتفاف اغصان اشجار البرتقال والاترنج بالبساتين ، في ارضها ، اسمع شوادي طيورها الجذلانة كيف لا وتلاطم وادي الاديرع الحائلي ( الديعجان ) يمخر عبابه محيطا بها هذه الايام المباركة
يا صاحبي وما تريد ان اصنع بفيديو شريط الرحلة فقد ابحتني سقما يزيد على السقم … كبرت ، وغالتني خطوب تتابعت ، تعذرت قدرة عن صعود الجبال ، فاصبحتُ في حفر ابي القاسم الشابي ، ومن يصحب الايام لا بد يهرم ، وتُنقص خطوبها قوى المرء .. ولربما يصاب معمر هذه الايام بمرض الخرف ( الزهايمر ) فيجهل بعض او كل ما يعلم ، كانت لهم بهاتيك الارض والمغاني القُرَيّة ( تنغة ) مناخ ومناخ ايامها للعمر مواسم ، وثغورها بالسرور بواسم ، تقام لطيبها الاسواق ، فابان عنها الزمان المواسم ، وغدت تعللنا بتاريخ حاتم وكرمه الاشواقُ ..
أقمتي السمراء ، والموقدة ، وريعان حايل وجهي شاهد بهواكم وكل يدري اني بالمحبة لهذه المرابع اقصد ، منا سلام عليكم ، لن يرجع عمر شيخ مضى شبابه ، عمر الله هذه الربوع بالسلام والامن والعز المكين ورحم الله الآباء والاجداد ورثنا المجد عنهم ونحسن في الديار الصنيعا .
اللواء
سعود بن مشعان الدخيل
حائل ٤ نوفمبر ٢٠٢٣ م