يعز عليّ
حقاً ان اتحدث
مؤبناً لزميلي المرحوم العميد الشيخ المؤمن /
حمد بن عيسى بن عبدالمحسن العريفي ، ابي عبدالرحمن ، الذي وافته المنية امس السبت ١٤٤٣/٨/٩ هـ ورحل الى بارئه بعد صراع طويل مع المرض ، جاء دوره فلم يتخلف ، انا لله وانا اليه راجعون ، .. ما اعظم الفقد ، وما اقسى الحديث ! ويزيده قسوة ان المرحوم رغم المرض الطويل والشيخوخة ؛ من اوثق الرجال صلة بربه وبالناس كل الناس ، واطولهم صحبة بمن عرف ، واقربهم الى قلبي .. قضيت معه ٥٥ عاما او تزيد في الزمالة وخدمة الامن ، نعمت فيها بزمالة كريمة ، كلها ود ، واخلاص ، ورقة ، وعذوبة ، وسماحة ، وبشاشة .. لا مطمع فيها ولا مغنم ، ولا تنافس ولا تزاحم ، فلم نختلف يوما ما ، ولم تباعد بيننا الاحداث والتنقلات ، وان بدا شيء من التباين بين الاسرة الواحدة .. كان المرحوم في الخدمة وما بعدها همزة الوصل ، ونقطة الالتقاء ، ومبعث الرضى .. لانه مؤمنا بالله ايمانا كاملا ، لا تنطع ولا علو ، مؤمنا برسالة الوطن ، فاعطى الوطن بسخاء ، ووقف عليه جلّ جهوده متفرغا لامانته ، في سنين طوال ما بين الحدود الشمالية , وحائل ، والرياض ، ونجران ، والجوف .. مرحلة النضج و " الخبرة التامة " مرحلة الشيخوخة الحكيمة المتزنة .. اعطاه في اعمال الشرطة والتحقيق الجنائي ، علما وعملا ، توجيها ورأيا ، اشرافا وقيادة وادارة ، اسهم في لجان هامة كثيرة ، واعمال ميدانية لتحقيق الجنايات ، وأُولع بالبحث عن الحقيقة ولو استغرقت معه اياما وليال ،لم تنقطع صلته باعمال الشرطة والامن العام .. يرعى نشاطه وسير العمل فيه ، يقود الرجال ، ويشرف على سير اعمالهم ، يجدد نشاطهم .. لم يتوان في عمل ان يصدره منتهيا منه في مواقيته .. اشهد وقد عشت قريبا منه انه لم يضن علينا برأي سديد ، او مشورة نصح محض ، ونحن في قطاعات امنية مختلفة ، فلم يقصر في عون او مساندة ..
هذا هو سعادة العميد حمد العريفي علّامة القيادة وجهبذ التحقيق والادارة ، الزميل والرئيس والمشرف الاداري على اعمال كثيرة مختلفه ، في اي منطقة يدعى فلا يتوانى .. الحديث عنه طويل ، ولو اردت ان اشير الى قضايا جنائية مجهولة ، حقق فيها نجاحا ، كانت خافية مجهولة ، فحالفه حظ التفاني والصبر ، وركوب الجمال والحمير الى اصقاعها ، ارتبطت والله باسمه توفيقا ،
رحم الله اخي وزميلي ابا عبدالرحمن بين العاملين الابرار ، ورحمه الله بين الزملاء الصالحين الاخيار ، ورحمه الله بين المخلصين الأولياء الاوفياء ..
رأيته في اول موقف بشرطة حائل ١٣٨٩هـ اول موقف ود وصداقة توثقت عراها ، واخوة غامرة ربطت بيني وبينه أن اخرج اليه في عمله بالتحقيق ، يلقي علينا دروسا في التفاني والاخلاص ، ويربط النتائج بالصبر ، والصبر ، وتحمل المشاق ، فكم استمال قلوبنا يومذاك ، ولا انسى وهو يخاطب مرؤوسيه الضباط المشاركين في مهمة الحج بقوله :
_ ( " ان مهمتكم ازاء اعمال الشرطة بالحج عظيمة جليلة ، وانتم خير اهل للاضطلاع بها ، والوفاء بموجبها ، فلا تضنوا في هذا السبيل بشيء من جهودكم ، يبارك لكم الله ، ابذلوا هذه الجهود القوية الامنية لحفظ الامن ، انما هم ضيوف الله ووطنكم وامتكم ، واجركم على الله اضعافا مضاعفة ، انتم في حرم الله ومشاعره المقدسة ، جئتم لحفظ الامن وتسهيل مهام الحج ، وحراسة المقدسات وصيانة الحج من عبث العابثين ، ولعب الماجنين ، وانحرافات المتهورين ، ولكم التوفيق من الله الحكيم العليم )
.. كانت توجيهاته موسما عقليا في تلك الاوقات التي كان الضباط الاعوان ظمأ فيها الى المعرفة ، وظمأ فيها الى التوجيه الصحيح ، تخرجهم الى الجد ، وترفعهم الى اشياء من هذه " المثل العليا " عنده ، يطمحون اليها ولا يكادون يحققونها
رحم الله ابا عبدالرحمن ، عسكري مؤمن بربه وبوطنه ، وضيء المحيا ، أنيق الملبس ، نشيط الحركة .. تخرج من مدرسة الشرطة بمكة المكرمة ( الدورة ٢٠ ) من النابهين الذين عرف الامن العام لهم مكانتهم .. اذ كان عظيما بين عظماء ، ونابها بين نبهاء ، ولنا هنا وقفة للتاريخ قبل ان ياتي النسيان على ما بقي منها في الاذهان ، فهو شخصية أمنية متفائلة جمعت كل السمات ، وخلف آثارا جليلة من العلم التخصصي والخبرة ماثلة في المحاضر والمدونات الرسمية في ارشيف كل شرطة منطقة حلّ بها ..
استودع قائدا فذّا ، واستاذا وصديقا ، وزميلا ملأ اسماعنا بنجاحاته في ما تولى .. ركب الحمار والجمل من اجل الواجب ، ووقف على طبيعة الحوادث في الحرار والجبال واللوب والصحاري ، عارفا ومشيرا بيديه ، ومدونا باسلوب مشرق وبيان واضح ، علما وثقافة ، وعفة لفظ ، تدينا لله ، اقدم اخلص العزاء لاسرته العائلية ولاسرته الامنية ، فكلنا فيه يُعَزِّي ويُعَزَّى .