معلومة عن محمد علي رزق متصدرًا.. نجوم دراما رمضان 2024 حولوا الإعاقة إلى إبداع!

لا شك أن التمثيل هو واحد من أصعب المهن وأكثرها حساسية وتطلباً؛ فالممثل إضافة إلى الموهبة الفطرية ينبغي عليه امتلاك القدرة على التحكم بكافة انفعالاته ومشاعره وتعابير وجهه والتخلي عن شخصيته بالكامل ليسمح لشخصية جديدة قد تكون مختلفة تماماً عنه بالسيطرة على عقله.

إن التحديات أمام الممثل أو الممثلة كثيرة متنوعة تختلف باختلاف الأدوار التي يجسدها، فقد يطلب إليه أن يكون التجسيد البشري للشر أو أن تكون الممثلة امرأة لعوباً قاسية أو أن يمثل دور أب قاس وهو بلا أطفال لكن أصعب تحد يمكن أن يقع على كاهل أي ممثل هو أن يؤدي دور شخصية تعاني من مشاكل نفسية فهذه الأدوار تتطلب براعة وموهبة.

إضافة إلى قدر وافر من التفهم والاحترام لمعاناة المرضى خاصة أن الإضطرابات النفسية لا تزال قابعة في الظل وتعامل معاملة العار في بعض المجتمعات التي تنظر إلى الشخص المصاب باضطراب نفسي على أنه "مختل" لذا فإن الممثل سيجد نفسه أمام مسؤولية تقديم الشخصية بطريقة واقعية بعيدة عن المبالغات السخيفة والمبتذلة التي تحكم عالم الإضطرابات النفسية.

أمًا تقديم شخصية ذات معوقات جسدية فهو ليس بأقل صعوبة؛ فالأمر يتخطى مجرد الجلوس على مقعد متحرك أو الإمساك بالعكاز ينبغي على الممثل تقدير وفهم معاناة الشخصية ليخرجها لنا بصورة واقعية تليق بموهبة حقيقية لو توفرت فيه.

في الواقع لاحظنا في هذا الموسم الرمضاني تركيزاً مميزاً على مجموعة من الشخصيات ذات المشاكل الصحية الجسدية والنفسية والتي كانت شخصيات أساسية في السياق الدرامي للعمل.

اليوم في "افاق عربية فن" نسلط الضوء على مجموعة من الممثلين، الذين قدموا شخصيات تعاني من صعوبات وتحديات نفسية وجسدية؛ ملقين نظرة معمقة على كيفية أدائهم للدور وتعاملهم مع معاناة الشخصية التي جسدوها موضحين تباين طريقة تقديم الشخصية من ممثل لآخر في الأعمال الدرامية ضمن موسم فني ثري كدراما رمضان 2024.

إن كان تجسيد المريض النفسي تحدياً صعباً، فإن تجسيد المصاب بتحديات جسدية هو أمر يحتاج إلى موهبة أصيلة وطاقة كبيرة لإقناع المشاهد أن هذا ليس تمثيلاً عادياً.

فالأمر يتجاوز مجرد إمساك عكاز أو الجلوس على مقعد متحرك مثلاً، منذ انطلاقة الموسم الرمضاني استطاع النجم المصري محمد علي رزق لفت الأنظار إليه بأداء يفوق الوصف لشخصية "مصطفى ضرغام" في مسلسل صيد العقارب الذي تدور أحداثه حول عايدة عالمة الحشرات التي تنقلب حياتها تماماً عقب مقتل أخيها لتبدأ رحلة الانتقام وسط فوضى الصراعات المستمرة بينها وبين عائلتها المحافظة وزوجها.

كانت شخصية "مصطفى" دلالة قوية على أداء مميز يبشر بنضج فني وتطور واضح لموهبة "رزق" التمثيلية الذي تلافى تماماً فخ الابتذال والاستسهال، ونجح في تجسيد شخصية تعاني من شلل نصفي بطريقة رائعة أضافت عمقاً عاطفياً واضحاً للشخصية فمصطفى طيب القلب محبب بريء لدرجة تجعلك تغرم به منذ أول حلقة.

إذ أن محمد علي رزق لم يركز على تقديم مصطفى كرجل مشلول، إنما حاول أن يمنحه ألقاً إنسانياً وحضوراً قوياً حوّله إلى شخصية محورية ضمن الأحداث المفعمة بالدراما والانتقام والتوتر، جعله يخطف القلوب والأذهان، متصدرًا تريند السوشيال ميديا طوال أيام الشهر الفضيل.

كان مكمن الصعوبة في شخصية "مصطفى" أن مرضه الجسدي هو شلل دماغي؛ أي أن نصف جسده متيبس لا يعمل وأنه يواجه صعوبة كبيرة في الكلام دون أن يؤثر هذا على قدراته الذهنية أو قدرته على الحكم المنطقي.

لكن مرضه ترافق مع روح طيبة بريئة شكلت إضافة حقيقية للعمل، فمصطفى لم يكن مجرد رجل مصاب بمرض جسدي يجعل حياته اليومية صعبة بل هو رجل تقي مؤمن أشبه بنسمة عليلة وسط عواصف أحداث المسلسل المتوترة ولعل هذا ما جعل مصطفى تريند على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما أبهر "رزق" الجمهور بأدائه المتقن الدقيق البعيد تماماً عن النمطية.

كان جهد محمد علي رزق في التحضير للشخصية واضحاً بحق، رغم أنه يجسد دوراً مختلفاً تماماً عن أي دور قدمه من قبل خلال مسيرته، إلا أن تجربته في عالم الشخصيات ذات التحديات الجسدية كانت إيجابية وأثبت "رزق" أنه ممثل حقيقي متجدد وقادر على تجسيد شخصيات صعبة معقدة بطريقة احترمت معاناة أصحاب المرض.

واستطاع أن ينال استحساناً جماهيرياً ونقدياً واسع المدى مثبتاً أن الموهبة الأصيلة تحتاج إلى شخصية واحدة لتثبت نفسها ومحمد علي رزق احتاج إلى "مصطفى" ليثبت لنا أنه ممثل مهم قوي وإضافة حقيقية لأي عمل يشارك به.

استطاع مسلسل ولاد بديعة استقطاب اهتمام جماهيري قوي قبل عرضه، فهو من إخراج المخرجة المبدعة رشا شريتجي ومن بطولة عدد من نجوم الدراما السورية الذين قدموا أداء يفوق الوصف وأظهروا قدرات تمثيلية مذهلة جعلت غالبية المشاهدين ترى في العمل عودة موفقة للدراما السورية بعد سبات طويل.

كان محمود نصر أكثر من لفت الأنظار إليه ضمن طاقم العمل حيث أنه يقدم في ولاد بديعة واحدة من أعقد وأصعب الشخصيات التي قدمها طوال مسيرته المهنية، يجسد محمود دور مختار الدباغ الابن الشرعي لعارف الدباغ كبير الدباغين كانت شخصية مختار ومنذ البداية مضطربة.

ويبدو واضحاً أن هناك الكثير من الخفايا خلفها خفايا انكشفت رويداً رويداً مع تقدم الأحداث، فقد اتضح أن مختار الدباغ يعاني من مرض نفسي خطير يعرف باسم الانفصام الذهاني أو الشيزوفرينيا وهو ما يعرف عند عوام الناس باسم انفصام الشخصية.

كان أداء محمود للشخصية وبكل بساطة مذهلاً؛ فشخصية مختار غريبة مليئة بالتناقضات التي تجعلك تحتار في اتخاذ موقف محدد من أفعالها هل هو طيب أم شرير ظالم أم مظلوم؟ لم يقدم محمود الشخصية المضطربة بطريقة تقليدية مبتذلة بأي شكل بل على العكس تماماً فقد نجح في توضيح هذه الإضطرابات عن طريق بعض الحركات الجسدية.

كحركته الشهيرة عندما يبدو وكأنه يطرد ذبابة مزعجة كدلالة على الهلاوس السمعية التي يعاني منها المصاب بهذا المرض وطريقة الكلام التي تنتقل باضطراد بين الهدوء والغضب الجنوني؛ فمريض الانفصام الذهاني لا يمتلك القدرة على تمييز الخطأ من الصواب وحكمه الأخلاقي مشوه للغاية، حيث أن عقله المضطرب يصور له أن كل من حوله يكيد له ويحاول أذيته مما يدفعه للتصرف بطريقة غير المنطقية تبعاً لأوهامه وهلاوسه.

وهو ما أظهره محمود ببراعة حقيقية فمنذ أول لحظة استطاع أن يهيئنا كمشاهدين لتقبل حقيقة أن مختار الدباغ ليس شخصية طبيعية وأنه يعاني من خلل خطير لكن أداءه الرائع جعلنا نتعاطف مع مختار بدلاً من أن نكرهه أن نشفق عليه لا أن نخاف منه ففي النهاية مريض الشيزوفرينيا هو شخص بائس يحكمه عقل مضطرب.

لا شك في أن محمود نصر وضع كل ثقله التمثيلي في الشخصية ليتمكن من نقلها إلينا بكل هذا الوضوح والقوة بدون الوقوع في فخ المبالغة والاستسهال، كما أن أداءه الراقي احترم معاناة هؤلاء المرضى فالانفصام الذهاني مرض خطير للغاية.

ويمكن للمريض أن يؤذي نفسه والآخرين لو لم يتلق العلاج اللازم وقد وضحت أحداث العمل فكرة مهمة للغاية، المرض لم يظهر من سماء صافية بل كان قابعاً في عقل مختار منذ طفولته فهو مرض وراثي لكن حادثة اعتداء أخويه الوحشي حفز ظهور المرض.

إن محمود نصر ممثل بارع من العيار الثقيل، لكن مختار الدباغ سيكون علامة فارقة في مسيرته التمثيلية بالقطع فهذا النوع من الأدوار يحتاج إلى موهبة استثنائية وذكاء حقيقي لجعلنا نتعاطف مع الشخصية وهو ما امتلكه محمود نصر بوفرة حقيقية.

نجح مسلسل إمبراطورية ميم في تقديم رؤية أكثر عصرية لواحدة من أشهر قصص الروائي العظيم إحسان عبد القدوس فسلط الاهتمام على مشاكل فئة الشباب المضطرب بأسلوب قريب منهم حيث استعرض هذه المشاكل عن طريق أولاد عائلة مختار أبو المجد الكبيرة المكونة من الأب الأرمل مختار والعمة الطيبة مديحة وستة أولاد متنافرين تماماً في طبائعهم ومشاكلهم.

استطاع المسلسل أن يلفت أنظار الجماهير والنقاد على حد سواء خاصة أولئك الذين أغرموا بالفيلم المقتبس عن القصة والذي قامت ببطولته سيدة الشاشة فاتن حمامة، كانت التغييرات في حبكة المسلسل واضحة جداً فالعمل ليس إعادة تقديم للفيلم.

إنما هو رؤية متجددة وقد نجح في تقديم هذه الرؤية ببراعة خاصة أنه احتوى ممثلين بارعين نجحوا في تجسيد شخصياتهم لكن أكثر الشخصيات لفتاً للانتباه كانت مادي التي تجسدها مايان السيد والتي لفتت الأنظار منذ ظهورها فقد وجد كثيرون تشابهاً قوياً بينها وبين مادي بطلة قصة النظارة السوداء الشهيرة فمادي غريبة الأطوار لا تخلع نظاراتها السوداء تقريباً.

وتبدو غامضة للغاية لكن بعضاً من هذا الغموض تجلى عندما صارحت مروان أنها مصابة باضطراب نفسي هو اضطراب ثنائي القطب، يعد هذا المرض أحد أصعب الإضطرابات النفسية على الإطلاق فالمريض يعاني من اضطرابات مزاجية قاسية تتناوب بين الشعور الغامر بالسعادة والاكتئاب المطلق الذي يجعل مجرد الخروج من السرير تحدياً كبيراً في الواقع.

ورغم أهمية تسليط الضوء على هذا الإضطراب إلا أن مايان كممثلة لم تكن على قدر التحدي، وجاء أداؤها هشاً إذ لم تستطع أن تجسد معاناة الشخصية وتعقيدها ووقعت في فخ الاستسهال فصبت جل تركيزها على التمرد في شخصية مادي التي تعرضت للتعنيف والضرب مما جعلها تكره والديها وتفعل المستحيل للتمرد على السلطة الأبوية جارة مروان خلفها.

ولم تفلح في تجسيد معاناة المصاب بهذا الإضطراب كما ينبغي؛ فمريض اضطراب ثنائي القطب في حالة حرب دائمة مع نفسه وعقله؛ إنه عاجز بالكامل عن التحكم بمشاعره ومزاجه؛ الأمر أشبه بجلوسك داخل سيارة تسرع فجأة وتتوقف بدون أي سابق إنذار وأنت عاجز عن النزول منها.

يمكن للمصاب أن يخسر عملاً أو رفاقاً أو حتى علاقة عاطفية في حال لم يجد من يحتويه؛ فالعلاج يحتاج إلى وجود دعم معنوي وتفهم حقيقي للوضع النفسي الصعب.

لم تكن مايان السيد ممثلة سيئة بالطبع، إنها ممثلة لطيفة جميلة لكنها لم تنجح في تجسيد شخصيتها بطريقة تجعلنا نتعاطف معها، فمادي متمردة بشكل يثير الغيظ وتأثيرها السلبي الواضح على مروان لم يجعل منها ذات شعبية بالضبط حتى في المشهد الذي تنفتح فيه عن مشاعرها واكتئابها.

ورغم أهمية المشهد وحساسيته إلا أن أداءها كان مفتعلاً وأفسد العمق العاطفي الذي كان ليقدم الكثير للشخصية المركبة ولم نستطع أن نشعر بأي تعاطف أو تفهم تجاهها أو تجاه مرضها الذي لم ينل التركيز المطلوب.

في الواقع لو أننا عقدنا مقارنة بسيطة -رغم أن لا مقارنة هنا- بين أداء مايان في إمبراطورية ميم وأداء آن هاثاواي في إحدى حلقات مسلسل Modern Love.

فستدرك مقصدي لقد جسدت آن معاناة اضطراب ثنائي القطب كما ينبغي تماماً فكانت سعيدة إلى حد الجنون ترتدي ألوانا فاقعة زاهية فرحة ومكتئبة لدرجة الانعزال لا تقوى على الخروج من سريرها حتى أنها خسرت أعمالاً كثيرة وأفضل شخص يمكن لها أن ترتبط به.

إن أي شخص شاهد الحلقة القاسية لن ينسى المشهد المؤلم عندما تصاب شخصية آن بالاكتئاب بشكل مفاجئ قبيل موعدها مع الشاب الذي أغرمت به مما جعلها تخسره.

لم تنجح مايان في أن تفهم أعماق مادي بمعاناتها وصعوبة تعاملها مع تقلباتها المزاجية؛ فجاء أداؤها مسطحاً مصطنعاً غير الملائم لشخصية صعبة متعددة الطبقات كمادي التي تحولت من شخصية صعبة أساسية في العمل إلى شخصية مستفزة مزعجة رغم أهمية وجودها في الأحداث وبراعة كتابتها لكن وفي النهاية الممثل هو المسؤول الأول عن نقل الشخصية إلى الحياة كما يليق بها.

كما سبق وقلنا قبل قليل تجسيد شخصية ذات صعوبات جسدية هو أمر يتجاوز مجرد الإمساك بعكاز أو الجلوس على كرسي متحرك؛ إذ ينبغي على الممثل أن يدخل في أعماق الشخصية ويتفهم معاناتها النفسية قبل الجسدية وإلا سيجد نفسه قد وقع في فخ الاستسهال والابتذال وهو الفخ الذي وقعت فيه منة فضالي في مسلسل محارب.

تدور أحداث المسلسل في أجواء من الدراما والإثارة حول الشاب محارب الذي ينزح من الصعيد إلى مدينة القاهرة عقب وفاة والده، ويضطر للعمل في مجالات عدة حتى يعيل أسرته وتأخذ الأحداث منحى آخر حين تتوفى والدة محارب في حادث سيارة.

جسدت منة في المسلسل دور مريم المصابة بشلل نصفي ناتج عن صدمة نفسية، لكن منة اكتفت بأن تجلس على الكرسي تاركة الشخصية مهمشة بعيدة عن الأحداث رغم أنها شخصية ثرية بالتناقضات النفسية والدرامية خاصة أنها تعرضت للإصابة بسبب زوجها.

لكن أداء منة فضالي جاء أقل من اللازم ولم تستطع الولوج إلى أعماق مريم النفسية ولا أن تستعرض الصراع والمعاناة الذي يمكن أن تعاني منه شخصية كهذه.

إذ أن أداءها كان مفعماً بالتقليدية والنمطية رغم أن منة ممثلة جيدة ذات خبرة طويلة، إلا أن الحظ جانبها على ما يبدو في محارب.

كان بإمكان منة منح شخصيتها الكثير من العمق العاطفي خاصة أن زوجها رجل مخادع وأنه يظهر عكس ما يبطن، أمًا الأهم فهو أنه كان المتسبب في الحادثة التي أدت لشللها ودمار حياتها كما كشفت الأحداث.

وكان بإمكانها أيضاً أن تتعمق في حقيقة الشلل الهستيري؛ أي الشلل الناتج عن صدمة نفسية أو عاطفية لا عن سبب عضوي جسدي وهو ما كان ليجعل من شخصية مريم إضافة درامية مهمة للأحداث ونقلة كبيرة في مسيرة منة التمثيلية.