ولمن مداخلته تحتاج الى تصحيح يتبرع من يقول له :اقصر ففي الاقصار بُقْيَاً ، ومن ...

ولمن مداخلته تحتاج الى تصحيح يتبرع من يقول له :اقصر ففي الاقصار بُقْيَاً ، ومن اسف ان المشاغب وكل معاند في الحديث لا يملك وسائل التقييم العلمي السليم ، ويتطرق الى الاذهان اننا بهذا الجدل المثمر انما نمارس عداء نفسيا او اسقاطيا او شخصيا ضد الماضي ، نتتبع سقطاته ونرصد هفواته ، مع ان ذلك نبت الواقع الذي لا يمكن اغفاله او التغاضي عنه ، ومهما حاولنا او حاول غيرنا ان يخفيه او يذود عنه رياح النقد وسهام الناقدين فلن يملك احد اجتثاث هذه الجذور العصبية او تغيير الواقع القديم ، او الهروب به من حيز التطور التاريخي … لهف نفسي على رصاص مذاب في يدي صَبَّاب ، يصب في فِيه .. فانما هو موقر من بلادة وغباء ، ودون ادراك من يتجاهل اقدار الناس عُلُوٌ يُعْيي الرجال إرتقاؤه ، ما قصدهم القاصد للنصح وللتفضل الا أعشبت أرضه وصابت سماؤه ..
تلك هي الشبات الحائلية قديما ، صوالين الادب بالمفهوم الحديث : احاديث تتلى ، وانباء ومواقف ، وظروف ، ووقائع ، واسباب ، وحيثيات ، وصراع بين متحدث ومتلقي ، وملقوف ثرثار يقول : انا هنا ، لا يستطيع اي من الحضور ان يفرق في موضوعية الحقيقة والموقف الوجداني ، والموقف النزيه الحر …
والحمد لله على نعمه ان الحديث في الشبات ينتهي مفعوله في نهاية كل جلسة ، بل ينتهي كل شيء ، ويدفن في رماد الكانون بالمجلس . … ولعل ما كان بالامس انقلب اليوم واستبدل بالاستراحات المفتوحة الابواب ، يدخلها الاعضاء ومن لا عضوية له ، فتغيرت الحال ، وتبدلت الوجوه ، وتغير الحديث وآداب وتقاليد تلك الشبات . ..
( ٢ )
حديثي عن ( تجربة الشبة اليومية الحائلية في كل حي ، وما يدار فيها من احاديث وانباء ومتلقين
وما هي الا الصالون الثقافي بالمفهوم الحديث )
.. لا غرابة ، يا اخي ، فالشعب العربي السعودي ، عربي صميم في جزيرته ، عربي في اصله ونشأته ، يعتز بماضيه وتراثه الحضاري ، ويسعى جاهدا ، منذ توحيد هذا الكيان العظيم الى ان يستعيد مجده ، فهو عربي في حاضره ، يحس احساسا صادقا بعروبته واسلامه ، ويشعر شعورا خالدا بانتمائه الى هذا الوطن العربي الكبير ، يهتز طربا لامجاده وانتصاراته ، ويأسى حزنا وكمدا على ما يحل بارض العرب من ويلات وحروب ونكبات ، وجهل ، ومن حسن حظ هذا البلد الامين ارض الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ومهبط الوحي وموطن الرسالة السامية ان قامت فيه دولة عربية مسلمة مستقلة ، فلا سبيل الى نهوض سياسي او اجتماعي ما لم تمهد له حياة فكرية يقظة سليمة شاملة ، وقد قدر للدولة ان وضعت هذا هدفا ، بُعيد التوحيد الذي تم على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثره ، في القرن الهجري المنصرم ، عصر التحول والتنوير فانبعثت فيه حركة الفكر والثقافة والقراءة ، ومواكبة انتقال العالم من بعد الحروب الكونية الاولى والثانية وتلك الاحداث التاريخية التي جرت على مسرح الارض العربية ، وكان لها اثر مباشر في اتجاه الفكر ، واثر عميق في الوعي ورقي العقلية ، فتأسست المدارس المختلفة ، وتواصل الناس وجلبت مواد الحضارة ، ونمت الحياة الاقتصادية فانتشر العلم والثقافة .. لقد كان الشعور بالخطر المحدق بهم شعورا عاما ولدته تجارب الماضي ، وغذّته الاحداث التاريخية المعتدية .. شعور واضح يعتلج كل صدر ، فاينما تَسِرْ تجد رجالا يحدثوك عن العلم كضرورة ، وخطر الجهل المحدق ، وهو شعور يحفز الهمم للذود عن حياض الوطن ، وانتهاز الفرص لمقاومة الجهل ، هذا الشعور المتوثب ، وذلك الوعي المتزايد عند الناس لا يزالان مصحوبين بكثير من الاضطراب ، ولا تزال العقلية مبهورة بمستجدات العصر ، وبحاجة الى تنظيم عقلي يوجه الصفوف ويجمع شتات العواطف ، ويوجه مختلف الآراء والمصالح الى غاية واحدة هي : الوطن .. ولان الاتجاه الغالب شديد التعطش الى العلم والمعارف ، والمدرسة لا تستطيع ان تعلم ( العلم ) ، والادب ، ومطالب الحياة ، وكل ما يسعها ، ويجوز ان يطلب منها الترغيب والتوجيه والتسديد ، وحسبها ان توفق في هذا ..فالمجتمع ، هنا في حائل سنة ١٣٧٤هـ يضطلع باعباء الحياة ، وتذوق حلوها ومرّها ، والكتب والمكتبات ووسائل العلم واوعية الثقافة الغير ميسرة ..