[ad_1]

٠١٥

( في رحاب الله ؛ ابراهيم العيد )

فجعت منطقة حائل في ابن من اعز بنيها .. فقدت قلباً نابضا ً ، إلتاعت لفقده القلوب ، وارتاعت لفقده النفوس ، ولولا ايمان بالله لكان الموقف شاقا على جميع بنيها ، طوى الموت ابراهيم العيد ! وماتت معه زوجته وبناته ، في حادث أليم وقد كان من قبل سعيدا بهذه الزوجة ، هنيئا بحياته الزوجية ، ثم رُزيء هذا الرزء الجسيم والمصاب الجلل ، لست في حاجة الى ان أُحدَّث عن رجل عبر جسر الحياة في ثقة واخلاص ، في جد وادب ، وصبر ومصابرة ، مما يعد مثالا يحتذى ، وكأنما اراد لشدة ايمانه بحقيقة الموت ان يضيء طريق الخلود لمَنْ بعده ، حتى لا يضلوا من بعده ابداً ، فكانت هذه الحياة الخصبة النافعه ، وكذلك هم العلماء والادباء يشترون خلودهم بما يقدمون من اعمال وما يتركون من نتاج وثمرات افكار ، وهم اشد الناس ايمانا بالموت غاية كل حيٍّ.. الحديث عن الفقيد واسع ومتشعب ، وحياته وجهاده العلمي فاذا ذكر الاخلاص والايمان والنزاهة التي لا تدانيها نزاهة فانما يذكر الى جانبها الفقيد .. عاش مخلصا لوطنه وامته ، ورحل عنها ، وبقي خالدا في القلوب ، ذكراه لا تَمّحي ولا تزول .
حزنتُ .. ، وحزنتْ حائل ، اشد الحزن لمصاب زميل كريم ، واديب رافقته سنوات طويلة ، اختطفه الموت منا فجأة وعلى غير انتظار ، وخلف في النفوس اشد الحزن وأعمق الأسى ، ولقد تركنا الفقيد قبل وفاته بعشرة ايام وهو على أتم ما يكون صحة ونشاطاً وحيوية ، ولكن وفاته الفجائية في طريق عودته من الله ، ومن بيته الحرام معتمراً ، وقد وقع اجرهم على الله شهداء ، كانت صدمة هزت اعصابنا جميعا في حائل !
يا لهول المصاب ! ويا لكثرة المشيعين ، ونحن في غمرة الحزن والآسى ننسى أنْ ليس للموت مواعيد ، وليس للأجل مواقيت ، وننسى ان كل حي الى فناء ، وان كل نفس ذائقة الموت ، وان لكل انسان أجلا محتوما ، وقدرا مقدورا ، " فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "
حقاً ان فجيعتنا في ابراهيم العيد عميقة ، وآلامها قاسية ، وخسارتنا فيه خسارة فادحة ، فقدنا في فقده ادباً وخلقاً ، ليس من السهل ان يعوضا ، ولكن ما حيلتنا في قضاء الله ؟ اننا نؤمن بان كل نفس ذائقة الموت ، وليس لنا من حيلة حيال الموت سوى الصبر والايمان والاستسلام لقضاء الله الذي الذي لا رادَّ لقضائه ولا معقب لحكمه ، ، نبكي الفقيد ، اليوم ، اديبا ذا ثقافة عريضة وتجارب في التربية والتعليم والادب كثيرة ، وكان الى هذا كله رجلاً طيب النفس ، نقي الضمير ، عفّ اللسان ، شديد الاعتزاز بكرامته ، لطيف المحضر ، لقد عاشرته عمراً فما اذكر انني وجدته يوما غاضبا من احد او ساخطا على احد ، بل كان محبا للجميع ، محبوبا ومحترما من الجميع ، وهذه سمة العلماء والصالحين .. واذا كان قد تعرض لكثير من متاعب الحياة ، ومنافسات الأقران ، فقد كان يرتفع دائما فوق الصغائر ، ويعزف عن مواجهة الخصوم ، وكان يعتصم بايمان ورجولة باهرين ، باذلا مزيدا من الجهد في عمله العلمي الذي احبه وكرس له حياته ، وفقيدنا اديب وكاتب ناقد ، له قلم مرموق ، واسلوب سلس رشيق ، لا يخلو من طرافة ، وان كانت طرافته من ذلك الطراز الهاديء الرزين ، وله في ادبه في مجلة نادي حائل الادبي " رؤى " التي يرأس تحريرها : خيال مبدع وقصص ممتع ، تجلس الى جانبه فيجاذبك الحديث العذب ، والمعارف المتنوعه ، وعفة اللسان .. كان في شبابه مدرسا وتخرج على يديه عددا غير قليل من جيل المنطقه الحاضر .
رحم الله ابراهيم العيد ! وقد فقدنا لفقده مواهب متعدده في العلم والمعرفة ، فقد امتاز بوفاء للاصدقاء والزملاء لا حد له ، وطيب في النفس ، وصفاء في السريرة ، وبراءة تشبه براءة الاطفال ، لم تكن الابتسامة تفارق وجهه المشرق الصبوح ، عفّ اللسان ، يكره الغيبة والشتيمة .. هذه الصفات جعلته قريبا للقلوب .. كان عاشقا للكتاب ، قيما بالكلمة ، صديقا للادباء والمثقفين ، يلتقونه كل يوم في النادي ويتبادلون الحديث حول الادب والثقافة ، وما عرفت انه ضنّ يوما بذخر ادخره ، او قنية اقتناها ، لا يمن ولا يستأثر ، كل ما بين يديه موقوف للناس ، يهش ويبش للقريب والغريب ، عشت معه سنوات في مجلس ادارة النادي الادبي بحائل ، فرأيتني اعيش الى جوار مدرسة في الادب ومدرسة في الاخلاق والتجارب المفيدة ، فكنا اعضاء المجلس نقدره لعلمه وفضله ، ونكبره لاخلاقه وصدقه وصفائه ، ونتخذ منه قدوة حسنة في حسن المعاشرة ، وسعة الصدر ، والسمو عن الصغائر ، ونرى فيه من التواضع الكبير ما يزيدنا اعجابا به وإكبارا لشخصه ..
يقتضي الوفاء ان أُمجد ذكره ، اليوم ، وان أخلد اثره فالذكر للانسان عمر ثان ، والكلمات ولا شك تعجز عن الوفاء بما احمل من تقدير وعرفان له ..
[ad_2]